U3F1ZWV6ZTQzMTk3MTY0MTk2NzA2X0ZyZWUyNzI1MjUwNjQ3MTMxMw==

الهبادون في مصر


الهبادون أنواع، فمنهم من يتميز بخفة الظل، ويعكس بـ"هبده" تلك السخرية المريرة، من الحياة وصعوبة الحال، ومنهم أيضا من هو ثقيل الظل، ويبعث على الضجر، وهو ذلك اللون الذي برع فيه كثير من مدعي العلم والعارفين ببواطن الأمور، حتى يخال المرء أن بعضهم يحظى بصلةِ نسب مع الرئيس الروسي، أو أنه يطلع بحكم علاقاته المتشعبة، على التقارير السرية للمخابرات الأمريكية

الهبادون في مصر

ربما لا يوجد شعب على وجه الأرض، يحترف الهبد، ويعشقه إلى درجة الجنون، مثل المصريين، لا فرق في ذلك بين متعلم يحمل أعلى الدرجات العلمية، أو رجل بسيط يكاد يفك الخط، ويمتلك القدرة على توقيع اسمه، في دفاتر الحضور والانصراف، أو في المكاتبات الرسمية، إذا ما تطلب الأمر واستدعت الضرورة.


والهبد في مصر أنواع، فمنه ما يتميز بخفة الظل، ويعكس تلك السخرية المريرة، من الحياة وصعوبة الحال، وقد برع المصريون في هذا اللون، للدرجة التي جعلت من بعضهم، خصوصًا في عالم الصحافة والأدب، يجلس على رأس قائمة أكبر الساخرين في العالم وأخفهم ظلًا، فمن ينسى في هذا المجال العم محمود السعدني، ومن جاء بعده من الساخرين العظام مثل المرحومين أحمد رجب وجلال عامر، ومنه أيضا ما هو ثقيل الظل، ويبعث على الضجر، وهو ذلك اللون الذي برع فيه كثير من مدعي العلم والعارفين ببواطن الأمور، حتى يخال المرء- من فرط ثقتهم في كل ما يقولون- أن بعضهم يحظى بصلةِ نسب مع الرئيس الروسي، أو أنه يطلع بحكم علاقاته المتشعبة، على التقارير السرية للمخابرات الأمريكية.



ومنذ تواتر الأنباء حول الانتشار الكبير لفيروس كورونا حول العالم، والهبد لا يتوقف في مصر، ما بين قائل بأن مستشفيات العزل تعج بآلاف المصابين بالفيروس، وسط تكتم شديد من قبل الحكومة، أو قائل، بكل ثقة، بأن الفيروس موجود في مصر منذ شهور، وأننا الذين نقوم بتصديره إلى مختلف دول العالم، وكأن باستطاعة الدولة- مهما أوتيت من قوة، ومهما بلغ عنفوان جهازها الأمني- أن تخفي أنباء وباء، يمكن أن يتحول- إذا ما تم التعامل معه على هذا النحو- إلى قنبلة دمار شامل.
لم يكتف الهبادون في مصر، بما يتفضلون به علينا من معلومات وأنباء، على تلك الدرجة من السرية والمعلوماتية الكونية، بل إنهم ذهبوا إلى ما هو أبعد، باختراع وثائق هبد جديدة، تملأ فضاء الإنترنت منذ أيام، وبعضها يتحدث عن تعليق بعض الدول العربية والأجنبية، رحلات الطيران الخاصة بها إلى مصر، باعتبارها واحدة من أكبر المناطق الموبوءة في الشرق الأوسط، والغريب أن مثل هذا الهبد، يجد من الآذان الصاغية، ما يجعله ينتشر بسرعة البرق، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يكلف المتابع نفسه تتبع المعلومة، أو تصفح موقع موثوق، مثل المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، الذي يتابع بدقة حركة انتشار الفيروس في منطقة الشرق الأوسط، ولم يسجل- حتى منتصف الشهر الماضي- سوى حالة واحدة مؤكدة ظهرت في مصر، وصفها بأنها "عديمة الأعراض"، لكن تم عزلها وتتبع المخالطين لها، وقد أظهرت نتائج الفحص سلبية إصابتهم بالفيروس.
المؤكد أيضا أن الهبادين عندنا لن يعدموا حيلة، لكن أكثر ما يخشاه المرء هو أن يتحول الهبد إلى أسلوب حياة.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة