يجمع كثير من المؤرخين، على الدور الكبير الذي لعبته الصهيونية العالمية، في بناء الجمهورية التركية الحديثة الأتاتوركية، التى تأسست على يد الغازي – اسمه بالتركية هكذا - مصطفي كمال اتاتورك، وكيف انطلقت دولته الجديدة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، على أسس عنصرية طورانية، إستلهت معظم قواعدها الأيديولوجية، من نزعة التعالي والتعصب اليهودية، التى ارست مبادئها الصهيونية العالمية، وما خلفته على مدار عقود من الزمان، من كتب وفلسفات وأفكار، تتمحور حول فكرة أن اليهود هم شعب الله المختار، الذي أنزل الله لهم مائدة من السماء، وأرسل لهم المن والسلوي، بعد أن شق لهم البحر، على يد النبي موسي في معجزة ملهمة، لينجوا من بطش الفرعون.
ويحفل التاريخ التركي الحديث بالعديد من رموز الصهيونية العالمية، الذين لعبوا دورا كبيرا فى ترسيخ تلك الأفكار، مثل قراصو وموئيز كوهين، وغيرهم من قيادات الحركة الصهيونية، الذين نجحوا في التسلل إلى جمعية "الاتحاد والترقي" التى أسسها الأديب والمفكر التركي عبد الله جودت، ورفاقه من الوطنيين الأتراك، هؤلاء الذين ناضلوا في بدايات القرن الماضي، من أجل بناء إمبراطورية عثمانية جديدة، تقوم على مبادئ المساواة وعدم التمييز العرقي أو الديني، قبل أن ينجح الصهاينة الأتراك فى الهيمنة على الجمعية، وتشويه ما نادت به من مبادئ، عبر ترسيخ أفكارهم الصهيونية، وتأسيس ما عرف تاليا باسم "النظرية العنصرية التركية"، أو ما يسمي بـ"التيار الطوراني"، وهي الأفكار التى لعبت الدور الأكبر في انتشار تيار القومية العربية، الذي ظهر كحركة وطنية عربية، في نهايات القرن التاسع عشر، في مواجهة الدمار الذي الحقه الحكم العثماني بالعديد من البلدان العربية، وفي مقدمتها مصر.
ويزداد المرء دهشة وحيرة، من تلك الفئة الضالة – على قلتها - من الكتاب والمثقفين العرب، وحفنة من مدعي الفهم والوعي الاستراتيجي، هؤلاء الذين ينتفضون كأنما لدغتهم نحلة، كلما تعرض كاتب بشيئ من الحدة، لتلك الحماقات التى يخرج بها علينا بين حين وآخر، الرئيس التركي اردوغان، ومن بينها حماقته الأخيرة فى ليبيا على الحدود الغربية لمصر، وكأنما المطلوب أن يصمت الجميع على مغامراته وقد تقمص شخصية السلطان سليم الاول، في المنطقة العربية بدء من العراق مرورا بسوريا، ثم ليبيا وأخيرا مياه مصر الاقليمية شرق المتوسط.
والغريب أنك إذا فتشت عن أصول هؤلاء الذين ينتفضون دفاعا عن الأغا التركي، لن تجد فى أجدادهم من ينتسب ولو زورا، إلى ذلك العرق الطوراني السامي، بل أن كثيرا منهم، كانوا فى حقيقة الأمر ضحايا للغازي العثماني، الذي كان جنود الانكشارية، يضع الواحد منهم سلاحه وطربوشه على عتبة أحد بيوت الفقراء، أثناء فترة الاحتلال العثماني، ثم يدلف إلى داخل الدار، ليستحل أعراض النساء والأطفال، دون أن يجرؤ أحد على الكلام.
إرسال تعليق