تبدو مدينة سانت كاترين في تلك الفترة من كل عام، أقرب ما تكون إلى لوحة أبدعتها أنامل رسام عظيم، تتماهى فيها ألوان جبالها الراسيات المغطاة بالثلج، مع تنويعات اللون الأخضر، ورائحة أشجار الزيتون واللوز والفستق، ودفء قلوب أهلها الطيبين.
لا يوجد مكان في مصر، يمكن أن يضاهي جمال كاترين في الشتاء، اللهم إلا شمس أسوان الدافئة، وجنادل نيلها التي تنتصب في مسار النهر، مثل حراس جاءوا من العصور الأولى، محملين برسائل محبة وسلام، لا تزال آثارها باقية، في تلك الابتسامات الرائقة التي يستقبل بها أهلنا في النوبة، ضيوفهم من كل سحنة وصوب.
لا شيء يمكن أن يضاهي جمال مصر، عندما تعود إلى صورتها البكر، التي تتجلى دائما عند أطراف لم تمتد إليها بعد، أخلاق الزحام وعشوائيات المدن الكبرى، وما أصاب ريف الدلتا من أمراض، فلا القرى ظلت على فطرتها الأولى التي جبلت عليها، عندما كان باستطاعة الزائر في الزمان الخالي، أن يلمس رائحة الخبز في الصباحات الباكرة، وهي تتسلل من أبواب بيوتها الطينية المفتوحة للعابرين، ولا هي تحولت إلى مدن صغيرة، على ما تعنيه المدنية من تحضر ونظافة وسهولة في العيش الكريم، وإنما مجرد عشوائيات، لا تخلو من أبراج فاخرة وفيلات، تعوم على بحيرات من مياه الصرف الزراعي والصحي، التي تحاصرها من كل صوب.
ينطق الجمال في مصر دائما عند الأطراف، وبلسان عربي مبين، حيث بساطة العيش، في طبيعة لم تأخذ من التمدن سوى ما يقري الضيف، ويعين على شظف حياة، لا تزال قيم العمل والتعاون والكرم فيها هي الأساس، والأخلاق هي الأصل.
من النوبة في الجنوب، إلى قرى الصيادين الصغيرة على شاطئ المتوسط في الشمال، ومن سيوة في الغرب، إلى نهايات كاترين ونويبع في جنوب سيناء، وليالي السحر في مرسى علم على شاطئ البحر الأحمر، مرورا بمزارع الزيتون في رفح شرقا، تلك التي كانت أغصانها تضوي في ليالي القمر، قبل أن تطفئ قناديلها طيور الظلام، يتجلى جمال مصر، الذي لم يتذوقه ـ ومن أسف ـ إلا قليل من المصريين، هؤلاء الذين ظلوا لعقود، يشدون الرحال إلى المدن الشاطئية التقليدية، في رحلات صيف لا تخلو من زحام ومتعة زائفة.
زرت سانت كاترين في شتاء 2012، وصعدت إلى قمة جبل موسى مع أصدقاء، لنتابع ذلك المشهد المهيب للشمس، وهي تشرق من خلف الغيم على ندف ثلج أبيض يزين قمم جبال ساحرة، وتجولت في ديرها العتيق، وحول بعض قلالي الرهبان الذين انقطعوا للعبادة على تخوم الجبال المقابلة، قبل أن تبدأ بعض الصور التي بثها مدونون قبل أيام، للمدينة المباركة وقد تزينت بالأبيض الثلجي، على غوايتي لرحلة جديدة.. فهل تذهب معي؟
إرسال تعليق