تغذي التحركات التركية الأخيرة، ودخولها الفج على خط الأزمة الليبية، مخاوف احتمالية اندلاع ما يمكن وصفه بـ"الحرب بالوكالة" في ليبيا، إذ تظل الثروة الكامنة من الغاز شرق المتوسط، هي الهدف الأهم والأبرز للأتراك، ودونها الرقاب.
أعلنها الرئيس التركي أردوغان صراحة وفي غير مناسبة، مؤكدا استعداد أنقرة لإرسال قوات لدعم حكومة فائز السراج في لبيبا، اعتبارًا من مطلع العام الجاري، وهي التصريحات التي تؤكد دون أدنى شك، ظهور تركيا كداعم رئيسي لحكومة الوفاق، التي وقعت مع أنقرة قبل أسابيع اتفاقيتين منفصلتين، إحداهما تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية وهي الأهم، تطلق يد تركيا عند الحدود البحرية في شرق المتوسط، حيث يتجلى الصراع الإقليمي ويبلغ ذروته، في الهيمنة أو على الأقل، الدخول كشريك في اتفاقيات اقتسام حقول الغاز الطبيعي.
ينظر كثير من المحللين السياسيين، إلى الاتفاق البحري الذي وقعته تركيا مع حكومة السراج، باعتباره اتفاقًا من شأنه أن ينهي عزلة تركيا في شرق المتوسط، ويفتح الطريق أمامها ليس فحسب للدخول في الصراع المشتعل حاليًا، بين قوى إقليمية عدة، على اقتسام تلك الثروة الكامنة في أعماق البحر من الغاز الطبيعي، وإنما رغبة أنقرة، في الحصول على موطئ قدم في الشمال الإفريقي عبر البوابة الليبية، إذ تستهدف تركيا من وراء ذلك، توسيع دائرة نفوذها في القارة الإفريقية، التي باتت محط أنظار العديد من القوى الدولية، عسكريًا واقتصاديًا، وفي مقدمتها الصين.
المؤكد أن الدخول الدولي على خط الأزمات الإقليمية، لعب دورًا كبيرًا في تراجع الدور التركي في سوريا، ومن قبلها العراق، ومن ثم فإن البديل الوحيد أمام أردوغان، أصبح الشمال الإفريقي، حيث الفرص سانحة للتغطية على العديد من خيباته الداخلية اقتصاديا وسياسيا، وهي الخيبات التي أدت في وقت سابق، إلى تراجع كبير في شعبية حزبه العدالة والتنمية، على نحو ما جسدته الانتخابات التشريعية الأخيرة، وخسارته لأهم معاقله الرئيسية في إسطنبول وعدد من المدن الكبرى.
لا تعدو التدخلات العسكرية التركية في ليبيا، بنظر كثير من المراقبين، أكثر من مناورة كبرى أو فلنقل مقامرة، تستهدف من خلالها تركيا التعمية على أطماعها الحقيقية في غاز شرق المتوسط، وهي لا تخفي في سبيل ذلك سعيها إلى تطويق مصر، بالاتفاق الذي وقعته مع حكومة السراج، والذي يتم بمقتضاه ترسيم الحدود بين أنقرة وليبيا، إذا ما استقرت الأوضاع لحكومة الوفاق، وهو حلم يبدو بعيد المنال، ذلك أن أيًا من القوى الإقليمية التي سوف يضيرها مثل هذا الاتفاق، لن تقف ساكنة أمام تدخلات أردوغان في ليبيا، واتفاقاته التي تنسف عمليا، العديد من الاتفاقيات الدولية المبرمة بين هذه القوى، وهو ما قد يصل بالأمور إلى تطورات دراماتيكية، من المؤكد أن العثمانلي سوف يدفع خلالها ثمنا فادحا لحماقاته
إرسال تعليق