هذا مقال متأخر جدًا، في محبة السيدة نجلاء الشاذلي، زوجة زملينا وشاعرنا الهمام علي إبراهيم، وهو مقال متأخر؛ لأن الملحمة التي سجلتها تلك الزوجة الوفية، مر عليها الآن نحو أربع سنوات أو يزيد قليلًا، عندما تقدمت طوعًا وبكامل إرادتها، لتوقّع على إقرار طبي تتقاسم بمقتضاه مع زوجها ووالد أبنائها الأربعة، جزءًا غاليًا من جسدها، فتنقذه من كارثة صحية، وضعته على بضع خطوات من موت محقق.
تزاملت وشاعر العامية الجميل علي إبراهيم، لنحو عقدين في صحيفة "العربي"، عهدته خلالها صحفيًا نابهًا، وشاعرًا مجيدًا، يمتلك ناصية القوافي، فضلًا عن نبل أخلاقه الذي ينم عن تربية جنوبية أصيلة، هذا النبل الذي يدفعه بين حين وآخر للتواصل معي وزملاء آخرين، بعدما تفرقت بالجميع السبل، عندما أطفأت الصحيفة الأبرز بين صحف المعارضة المصرية قناديلها، بعد أسابيع من ثورة يناير، وأغلقت أبوابها؛ لتعلن نهاية تجربة فريدة، لم يتبق منها سوى بعض ألق قديم وكثير من ذكريات.
عانى علي إبراهيم لسنوات، شأنه في ذلك شأن كثير من أهلنا، القادمين من قرى مصر البعيدة، من تداعيات إصابته بمرض الالتهاب الكبدي، الذي تحوّل من فرط ضراوته، إلى واحد من الأمراض القاتلة، التي هددت حياة قطاع كبير من المصريين، خلال العقدين الأخيرين، قبل أن تتدخل الدولة بكل قوتها عبر تلك الحملة الملهمة، التي أطلقتها في السنوات الثلاث الأخيرة، للقضاء على هذا المرض العضال، وما انتهت إليه حسب شهادات دولية موثوقة، من نجاح مبهر، في إنقاذ حياة ملايين أعيتهم الحيلة، وأثقلتهم الأوجاع.
بلغت حالة زميلنا علي إبراهيم حد الخطر مع بدايات عام 2015، واستقر رأي عدد من نخبة أساتذة أمراض الكبد، على ضرورة إجراء عملية زرع في أسرع وقت ممكن، لتقف قضية الحصول على متبرع، حجر عثرة ثقيلًا في إنجاز الجراحة، فضلًا عن تكاليفها الباهظة التي تجاوزت وقتها حاجز المليون جنيه، وهو مبلغ خيالي بالنسبة لصحفي، كان يعمل في صحيفة معارضة، ويحصل بالكاد على راتبه الشهري، مرة كل ثلاثة أو أربعة أشهر في أفضل الأحوال.
اختصرت السيدة نجلاء الشاذلي، كل معاني التضحية والحب والرحمة، عندما أصرت على أن تكون على رأس قائمة المتبرعين، لتمنح زوجها فصًا من كبدها، وقبلة الحياة، ليعود صوته مغردًا من جديد، فيكتب لها، في الذكرى الرابعة لتلك الجراحة الخطيرة: "عشرين سنة بتتحملي غضبي/ وتقاسي مني وتمرضي بسببي/ وتجوعي طقة وتشبعي طقات/ أنا بعتذر لك عن إساءة أدبي".
متع الله صديقنا الجميل علي إبراهيم بالصحة والعافية، ولعل ما أقدمت عليه زوجته العظيمة، يلهم كثيرًا من النساء اللاتي فقدن عقولهن، للدرجة التي دفعت إحداهن قبل أيام إلى أن تُسكب الجاز على زوجها، ثم تُشعل فيه النار؛ لأنه لم يجدد اشتراك الإنترنت الشهري في المنزل، ولله في خلقة شؤون.
إرسال تعليق