ربما لا يكون المرء مبالغا، إذا ما قال إن هذا الكتاب، هو الأهم من بين كتب عدة أصدرتها دور النشر المصرية والعربية، وتعرضت بالنقد والتحليل للتجربة الناصرية، وآثارها التى تجاوزت حدود مصر، لتمتد– إيجابا وتأثيرا - إلى مختلف بقاع المعمورة، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وتحولت إلى مصدر إلهام لكثير من شعوب العالم، التواقة للحرية والاستقلال والكرامة الوطنية.
وربما يستطيع المرء، وقد نحى جانبا، تلك العلاقة الإنسانية، التى ربطت بينه وبين الكاتب، لأكثر من خمسة عشر عاما، أن يقول أيضا أننا أمام كتاب عمدة فى مضمونه، سعى بموضوعية وتجرد، للبحث عن إجابة لهذا السؤال المؤرق الذي طالما شغل كثيرا من الباحثين على مدار عقود وهو: إلى أي حد يتحمل جمال عبد الناصر، مسؤولية ما انتهت إليه تجربته، وما تبناه من آليات حكم ناقضت مشروعه؟ ذلك أن كثيرا من الناصريين يخطئون، عندما يخلطون عن عمد، أو ربما دون قصد، بين الدفاع عن مشروع جمال عبد الناصر، وبين نظامه الذي يتحمل المسؤولية كاملة، عن تقويض تجربته العظيمة، بإنجازاتها وتوجهاتها الرئيسية، وهو ما يعترف به السناوي فى كتابه "أخيل جريحا" الصادر مؤخرا عن دار الشروق صراحة، عندما يقول بوضوح، إن تقويض التجربة جري من داخل النظام، الذي لم يكن قادرا على حمل مسؤولية مشروع عظيم، وهو ما أفضي فى النهاية إلى ذلك التناقض الفادح، بين اتساع مشروع عبد الناصر، وضيق نظامه.
أطلق جمال عبد الناصر فى سنوات يوليو، أوسع عملية حراك اجتماعي، نقلت أغلبية المصريين، من هامش الحياة إلى متنها، وقد كانت جنازته بحجمها الاستثنائى، والحزن العميق فيها شهادة لا تخطئها عين، على عمق التجربة وإلهام المشروع، وقد حاول السناوي فى كتابه، أن يقدم مراجعة بأكبر قدر من الموضوعية للتجربة، مستهدفا تبيان الحقيقة أمام أجيال جديدة، أريد لها ولا يزال، أن تنكر تاريخها حين حاربت وانتصرت، أو تراجعت وهزمت، دون أن تدرك وهذا حقها كيف ولماذا حدث ما حدث؟.
عبر أربعة عشر فصلا، يتتبع عبد الله السناوي، تاريخ وملامح تجربة جمال عبد الناصر ومشروعه الذي لم يكن فى يوم خارجا عن سياق ما نادت به الحركة الوطنية المصرية، وكيف كانت قوته تكمن فى حقيقة الأمر فى مشروعه العريض، لا فى ثغرات نظامه القاتلة، تلك الثغرات التى حرص فى سنواته الأخيرة على مراجعة أخطائها، وسجل تلك المراجعات في محاضر رسمية، وبخاصة ما يتعلق منها بالاخطاء التى أفضت إلى هزيمة يونيو، ودعا خلالها إلى المجتمع المفتوح ودولة المؤسسات.
لا توجد ثورة فى التاريخ بلا انجازات عظيمة، وأخطاء عظيمة أيضا، وقد كانت ثورة يوليو، بنت عصرها وتحدياته، لذا فإن مشروعها حسبما يري السناوي فى كتابه، كأي مشروع آخر، يتعين أن يجري عليه التصحيح والتصويب بالنقد والإضافة، حتي يكتسب جدارته فى الانتساب إلى المستقبل
إرسال تعليق