49 عاما مرت على رحيل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ولا يزال يحتل موقعه في وجدان الملايين، ويلتحف في نومته الأخيرة، بذلك الدفء الصافي من قلوب أجيال تفتح وعيها، على إيقاعات صوته وهو يستنهض الهمم، ويدافع عن الحرية والكرامة العربية، من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر.
نحو نصف قرن، ولا يزال جمال عبد الناصر، حاضرًا في وجدان الأمة، ويزداد حضورا في الغياب، كلما ادلهمت الخطوب، ونزلت النوازل على أوطان، كانت حتى وقت قريب ملء السمع والبصر، قبل أن تتخطفها قوى الشر والإرهاب، لتقطع أوصالها، وتشرع في تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ وفق "سايكس- بيكو" جديدة، لم تعد تخفى على أحد، ولا يخطئها كل ذي عين ترى وتقرأ، أو كل ذي أذن تسمع، وتتعلم من دروس التاريخ.
جسّد جمال عبد الناصر في معاركه ومواقفه، كثيرًا من الأحلام والأفكار والمبادئ التي طالما نادت بها العديد من الحركات الوطنية ذات الطابع القومي، التي انفجرت منذ نهايات القرن التاسع عشر، في مواجهة تلك المحاولات الدؤوبة للدولة العثمانية، التي كانت تستهدف "تتريك العرب"، وما تلا تلك المحاولات من موجات استعمارية غربية، استهدفت السيطرة على المنطقة العربية، ونهب ثرواتها، وقد كان ذلك أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت بأفكاره وما نادى به من مبادئ، لأن تتجاوز حدود الجغرافيا المصرية، إلى ربوع الوطن العربي، بل والعديد من شعوب "العالم الثالث"، تلك التي كانت تتوق للحرية والاستقلال، وتبحث عن العدالة والكرامة الإنسانية.
كان جمال عبد الناصر يؤمن بأن مشكلة مصر الحقيقية، تكمن في غياب التنمية، ويكفيه في ذلك ان مصر نجحت خلال سنوات قصيرة من فترة حكمه، في تحقيق تنمية، توازي أربعة أضعاف ما استطاعت أن تحققه خلال الأربعين عاما التي استبقت ثورة يوليو عام 1952، وفي وقت تحملت البلاد فيه، مهام إعادة بناء القوات المسلحة، وإتمام بناء السد العالي.
تسع وأربعون عاما مرت على رحيل جمال عبد الناصر، لكن ذلك لم يمنع في يوم، تلك الحملات الممنهجة التي تستهدف الرجل ومشروعه الوطني، والتي تظهر دائما في كثير من الصحف السيارة، وبعضها مملوك لبعض قوى الرأسمالية الجديدة في مصر، ولا تتوقف عند حد محاولة "اغتيال الشخصية" لرجل أصبح في رحاب الله، منذ نحو خمسة عقود إلا قليلا، وإنما أيضا محاولة النيل من أفكاره العظيمة، عبر التشكيك فيما نادى به من الحرية المسؤولة، والعدالة الاجتماعية الحقيقية، واستقلال القرار الوطني، ومن عجب أن تنطلق مثل تلك الحملات، من أقلام بعينها، طالما ناصبت ثورة يوليو وقائدها عداء مجانيا، وفي مواسم معينة، كلما حلت ذكرى، أو مناسبة وطنية عربية أو محلية، واللافت أن كثيرا من تلك الحملات، التي انتقلت مؤخرا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "فيس بوك" و"تويتر"، لا تخلو من تلميحات أو رسائل للنظام الحالي في مصر، الذي ينظر كثير من هؤلاء إلى ما يطلقه من مشروعات قومية، أو ما يقوم به من عقد صفقات متنوعة للتسليح من مصادر شتى، باعتبارها تنويعات حديثة لفترة الحقبة الناصرية، والمعنى من الهجوم واضح، وهو أن السهام التي ما زالت تطلق- رغم مرور نحو خمسين عاما على رحيل جمال عبد الناصر- ستكون جاهزة للانطلاق في أي وقت، إذا ما تعرضت تلك الجوقة، ومن يقف خلفها من قوى لأي خطر.
إرسال تعليق